من أساليب الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية |
النصوص:
قال الله تعالى:
{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا}، سورة الكهف الآية 37.
قال عز وجل:
{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، سورة المجادلة الآية 1.
التوثيق:
ü سورة الكهف: سورة مكية، عدد آياتها 110 آية، سميت سورة الكهف لتناولها قصة أصحاب الكهف لما فيها من المعجزة الربانية .
ü سورة المجادلة: سورة مدنية، عدد آياتها 22 آية، تناولت السورة أحكاما تشريعية كثيرة كأحكام الظهار والكفارة التي تجب على المُظَاهِر وحكم التناجي وآداب المجالس وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم مودة أعداء الله الى غير ذلك كما تحدثت عن المنافقين وعن اليهود .
القاموس اللغوي:
- محاوره: مخاطبه - محدثه - يناقشه بهدوء.
- خلقك من تراب: باعتبار الأصل آدم.
- نطفة: مشيج - أصل الجنين.
- سواك: جعلك معتدل القامة والخلق - أحسن وأتقن خلقه.
- تجادلك في زوجها: أوس بن الصامة أخو عبادة بن الصامة.
المستفاد من النصين القرآنيين:
ü تتضمن الآية الكريمة الإشارة إلى أن الصحبة منطلق أساسي في الحوار ترشده نحو الحق دون مجاملة للأصحاب.
ü يتضمن النص القرآني الإشارة إلى أن الحوار منهج أساسي في الحوار والدعوة إلى الله، يساعد على زرع الطمأنينة في النفوس.
التحليل:
مفهوم الحوار و ضوابطه :
1. 1 مفهوم الحوار: هو الحديث الهادئ بين طرفين يتداولان الكلام بينهما في أجواء بعيدة عن الخصومة والتعصب.
2. 2 مفهوم الجدال: هو الكلام بين طرفين يغلب عليه أسلوب المنازعة والمعارضة والتعصب للرأي.
3. 3 ضوابط الحوار: لقد شرع القرآن الكريم جملة من الضوابط تحقق غايات تواصلية، توصل المتحاورين إلى الحق ومنها:
أ- تقبل الآخر: (المخالف) وذلك بقبول الاختلاف والاعتراف بالآخر واحترام حقه في التعبير عن قناعاته، لقوله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} سورة التوبة الآية 6.
ب- حسن القول: أي تجنب الألفاظ المؤذية والجارحة التي تفضي إلى عوائق التواصل النفسية والسلوكية مثل السخرية والاستهزاء واللامبالاة لقوله تعالى:{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ
إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} سورة الإسراء .53
ج- العلم و صحة الأدلة: أي وجوب اعتماد الحجة والأدلة الواضحة للدفاع عن الرأي أو تفنيد الرأي المخالف لقوله تعالى:{ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} سورة الأنعام 148
د- الإنصاف و الموضوعية: وهو الإقرار بصحة رأي المحاور والإذعان للحق والالتزام به إن تبين صدق الحجج.
من أساليب الحوار في القرآن:
وضع القرآن الكريم نماذج وأساليب راقية للحوار والتواصل نذكر منها:
1 الأسلوب الوصفي التصويري: وهو أسلوب يعرض به القرآن مشاهد حوارية واقعية بشكل حي يأخذ بلب المستمع مثل حوار الله تعالى للملائكة، وحوار الأنبياء لأقوامهم، ومن خصائصه:
ü شد القارئ للنص القرآني.
ü عرض الموقف بشكل حي يتجسد فيه الحوار ويؤثر في القارئ.
ü إدماج القارئ أو المستمع في الجو العام للمشهد الحواري.
ü تقريب القارئ أو المستمع من الحوار الجاري في أحداث القصة.
ü حمل القارئ أو المستمع على اتخاذ موقف سليم وصحيح.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في سورة الشعراء:{قال فرعون و ما رب العالمين، قال رب السموات و الأرض و ما بينهما إن كنتم موقنين، قال لمن حوله ألا تستمعون، قال ربكم و رب آبائكم الأولين، قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون، قال رب المشرق و المغرب و ما بينهما إن كنتم تعقلون} سورة الشعراء الآيات 23-28
2 الأسلوب الحجاجي البرهاني: وهو أسلوب يعتمد العقل لإظهار الحجة للمنكرين لوحدانية الله تعالى أو البعث ودحض ادعاءاتهم الباطلة وإظهار مكامن فساد معتقداتهم وانحراف أفكارهم مثل قوله تعالى في البرهنة على وحدانيته:{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ ، أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} سورة الأنبياء الآيتان: 66-67
ومن البرهنة على البعث قوله تعالى: {أمن يهديكم في ظلمات البر و البحر و من يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته، أ إله مع الله، تعالى الله عما يصفون يشركون، أمي يبدئ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض، أ إله مع الله، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صداقين} سورة النمل الآيتان: 63-64.
وتكمن قيمة هذا الأسلوب في تحرير العقول من قيد الهوى والتقليد وتوجيهها إلى التفكر والتدبر في الآيات الكونية.
من أساليب الحوار في السنة النبوية:
تزخر السنة النبوية بنماذج راقية في التواصل، تجسدت في مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم الحوارية التي امتازت بحسن الخلق وكذا طبيعة مهمته التي اختاره الله تعالى للقيام بها وهي هداية الناس وتبليغ وتبسيط الدعوة إليهم مراعيا في ذلك اختلاف أعمارهم وإفهامهم وتنوع أغراضهم مستعملا الحجج والبراهين القاطعة لإثبات الحق ومن هذه الأساليب ما يلي:
1 أسلوب الحوار الوصفي التصوري: وهو أسلوب اعتمده الرسول صلى الله عليه وسلم لتثبيت المفاهيم في أذهان المستمعين وتقريب المعاني إلى إفهامهم بالقصة وضرب الأمثلة. ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقول ذلك يبقى من درنه (وسخه)؟ قالوا لا يبقى من درنه شيئا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا".
2 أسلوب الحوار الاستدلالي الاستقرائي: وهو أسلوب يستجوب فيه الرسول الآخر متدرجا معه انطلاقا من مسلمات ليبني معه حقيقة كلية ترفع الغموض وتوضح له الفهم. ومثاله: عن أبي هريرة قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي فقال: إم امرأتي ولدت غلاما أسود،فقال النبي هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا، قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق" أخرجه البخاري.
3 أسلوب الحوار التشخيصي ألاستنتاجي: وهو أسلوب يعرض الرسول مشكلة ويحفز الآخر للتفكير ويثير الانتباه ويترك له فرصة لاستنتاج الحل بنفسه. ومثاله ما جاء عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم. حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت فقالوا يا رسول الله أخبرنا بها، فقال رسول الله هي النخلة، قال عبد الله : فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا" أخرجه البخاري.
كيف نستفيد من القرآن والسنة في تطوير مهارات الحوار؟
1. 1 بتدبر الحوارات القرآنية وتحليلها ودراستها وتدارسها.
2. 2 بتأمل حوارات الرسول ودراسة أساليبه وطرائق حواراته وتواصله.
3. 3 بدراسة مصادر ومراجع مفصلة لقواعد الحوار وآدابه في القرآن والسنة.
4. 4 باستخراج قواعد كبرى للحوار وألتزم العمل بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق